الاثنين، 13 فبراير 2012

الفساد المالي و الاداري في دول العالم الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم
الفساد المالي و الاداري

  يعتبر الفساد الإداري والمالي أحد أخطر الظواهر التي تواجه البلدان عموما وعلى الأخص البلدان النامية حيث أخذت تنخر في جسم مجتمعاتها بدءً بالأمن وما تبعه من شلل في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والتي تنطوي على تدمير الاقتصاد والقدرة المالية والإدارية وبالتالي عجز الدولة على مواجهة تحديات أعمار أو إعادة أعمار وبناء البنى التحتية اللازمة لنموها .
و لقد لاقت مشكلة (الفساد Corruption) اهتمام الكثير من الباحثين المختصين والمهتمين  و المسئولين و أصحاب القرار واتفقت الآراء على ضرورة وضع وتأسيس إطار عمل مؤسسي الغرض منه تطويق المشكلة وعلاجها من خلال خطوات جديه ومحدده ومكافحة الفساد بكل صوره ومظاهره وفي كافة مجالات الحياة لتعجيل عملية التنمية الاقتصادية.
والفساد موجود في كافة القطاعات الحكومية منها والخاصة فهو موجود في أي تنظيم يكون فيه للشخص قوة مسيطرة أو قوة احتكار على سلعة أو خدمة أو صاحب قرار وتكون هناك حرية في تحديد الأفراد الذين يستلمون الخدمة أو السلعة أو تمرير القرار لفئة دون الأخرى
و الفساد يعني : خروج عن القانون والنظام العام وعدم الالتزام بهما من اجل تحقيق مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية للفرد أو لجماعة معينة من خلال الوظائف العامة(بدوي , 1986م , ص 46) .
و الفساد الإداري : يتعلق بمظاهر الفساد والانحراف الإداري أو الوظيفي من خلال المنظمة والتي تصدر من الموظف العام أثناء تأدية العمل بمخالفة التشريع القانوني وضوابط القيم الفردية ، أي استغلال موظفي الدولة لمواقعهم وصلاحياتهم للحصول على مكاسب ومنافع بطرق غير مشروعة .
و الفساد المالي يعني: الانحرافات المالية ومخالفة الأحكام والقواعد المعتمدة حالياً في تنظيمات الدولة (إدارياً) ومؤسساتها مع مخالفة ضوابط وتعليمات الرقابة المالية .
و عن أنواع الفساد من حيث الحجم فهي :
1 . الفساد الصغير (Minor Corruption) (فساد الدرجات الوظيفية الدنيا) وهو الفساد الذي يمارس من فرد واحد دون تنسيق مع الآخرين لذا نراه ينتشر بين صغار الموظفين عن طريق استلام رشاوى من الآخرين .
2 . الفساد الكبير (Gross Corruption) (فساد الدرجات الوظيفية العليا من الموظفين) والذي يقوم به كبار المسئولين والموظفين لتحقيق مصالح مادية أو اجتماعية كبيرة وهو أهم واشمل واخطر لتكليفه الدولة مبالغ ضخمة .
3. الفساد المؤسسي : وهو فساد بعض أعضاء السلطات الثلاث: التشريعية، القضائية، التنفيذية ولعل من أخطر صور الفساد المؤسسي هو فساد الوزراء وكبار المدراء وأعضاء المجالس البرلمانية من ممثلي الجماعات السياسية وكذلك القضاة لاسيما عندما تتداخل المصالح الشخصية لعينة من هؤلاء فيما بينها حيث يزداد حينها ضرر المصلحة العامة وتتعثر المشاريع والخطط التنموية.
 و يمكن تحديد أسباب الفساد عموما بما يلي :-
1 . أسباب سياسية ويقصد بالأسباب السياسية هي عدم فعالية الأنظمة ، وضعف مؤسسات المجتمع المدني ، ضعف الأعلام والرقابة العامة.
2 . أسباب اجتماعية متمثلة في الطائفية و القبلية و العشائرية والمحسوبيات والقلق الناجم من عدم الاستقرار من الأوضاع والتخوف من المجهول القادم ... جمع المال بأي وسيلة لمواجهة هذا المستقبل والمجهول الغامض .
3 . أسباب اقتصادية الأوضاع الاقتصادية الضعيفة والمحفزة لسلوك الفساد وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة .
4 . أسباب إدارية وتنظيمية وتتمثل في الإجراءات المعقدة (البيروقراطية و الروتين) وغموض التشريعات وتعددها أو عدم العمل بها ، و عدم الاعتماد على الكفاءات الجيدة في كافة الجوانب الإدارية .
و عن تأثيرات الفساد الإداري و المالي فإنها تتمثل في :
أ . تأثيره على الاقتصاد :يؤثر الفساد على الاقتصاد في:
1 . ضعف الاستثمار وهروب الأموال خارج البلد وما يتبعه من قلة فرص العمل وزيادة البطالة والفقر .
2 . ضياع أموال الدولة والتي كان من الأجدر استثمارها في مشاريع تخدم المواطنين .
ب . إما تأثير الفساد على النواحي السياسية فيتمثل في :
1 . يؤدي الفساد إلى زيادة الصراعات والخلافات في جهاز الدولة في سبيل تحقيق المصلحة الخاصة على المصلحة العامة .
2 . وكذلك تأثير الفساد على وسائل الأعلام المختلفة وتكيفها وضمن المتطلبات الخاصة للمفسدين وجعل أجهزة الأعلام بعيدة عن دورها في التوعية ومحاربة الفساد .
مظاهر الفساد الإداري و المالي   :
إن مسألة الفساد ومنها الفساد الإداري و المالي ليست بمسألة رياضية أو معادلة يمكن احتسابها بالأرقام ليصل الشخص إلى فك رموزها وإعطاء النتيجة بأسلوب رياضي بحت بل هي مسألة تعود إلى ذات الشخص في مقاومتها .
كما إن مسألة الالتزام بالتشريعات السماوية في منع مظاهر الفساد ومعاقبة المفسدين
بالعقاب العاجل في الدنيا والأجل عند الحساب كقوله تعالى (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الإبصار) . يعتبر عاملاً مهماً لدى الكثيرين في عدم الولوج إلى هذا الدهليز المظلم والذي لن يجني منه المفسد إلا الخسران لذا لا نجد إن من يمارسون مظاهر الفساد قد اندفعوا لها بسبب عاطفي أو هدى نفس قد يزول في لحظة .
ولاشك إن المكاسب المادية والمعنوية التي يجنيها المفسد هي التي تدفعه لارتكاب مثل هذه الأفعال والتي قد تأخذ احد أو أكثر من مظاهره التالية :
يقسم الشميمري(1424هـ : 26) الفساد الإداري إلى أربع مجموعات , وهي :
1.  الانحرافات التنظيمية : ويقصد بها تلك المخالفات التي تصدر عن الموظف في أثناء تأديته لمهمات وظيفته والتي تتعلق بصفة أساسية بالعمل , ومن أهمها :
* • عدم احترام العمل , ومن صور ذلك : ( التأخر في الحضور صباحا – الخروج في وقت مبكر عن وقت الدوام الرسمي – النظر إلى الزمن المتبقي من العمل بدون النظر إلى مقدار إنتاجيته – قراءة الجرائد واستقبال الزوار – التنقل من مكتب إلى آخر ..... ) .
• امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه , ومن صور ذلك : (رفض الموظف أداء العمل المكلف به – عدم القيام بالعمل على الوجه الصحيح – التأخير في أداء العمل .... ).
• التراخي , ومن صور ذلك : ( الكسل – الرغبة في الحصول على أكبر اجر مقابل أقل جهد – تنفيذ الحد الأدنى من العمل .... ) .
• عدم الالتزام بأوامر وتعليمات الرؤساء : ومن صور ذلك : (العدوانية نحو الرئيس – عدم إطاعة أوامر الرئيس – البحث عن المنافذ والأعذار لعدم تنفيذ أوامر الرئيس ..... ).
• السلبية : ومن صور ذلك : ( اللامبالاة – عدم إبداء الرأي – عدم الميل إلى التجديد والتطوير والابتكار – العزوف عن المشاركة في اتخاذ القرارات – الانعزالية – عدم الرغبة في التعاون – عدم تشجيع العمل الجماعي – تجنب الاتصال بالأفراد ...... ).
• عدم تحمل المسؤولية : ومن صور ذلك : ( تحويل الأوراق من مستوى إداري إلى آخر – التهرب من الإمضاءات والتوقيعات لعدم تحمل المسؤولية ..... ) .
• إفشاء أسرار العمل .
2.  الانحرافات السلوكية : ويقصد بها تلك المخالفات الإدارية التي يرتكبها الموظف وتتعلق بمسلكه الشخصي وتصرفه , ومن أهمها :
• عدم المحافظة على كرامة الوظيفة : ومن صور ذلك : ( ارتكاب الموظف لفعل مخل بالحياء في العمل كاستعمال المخدرات أو التورط في جرائم أخلاقية ) .
• سوء استعمال السلطة : ومن صور ذلك : ( كتقديم الخدمات الشخصية وتسهيل الأمور وتجاوز اعتبارات العدالة الموضوعية في منح أقارب أو معارف المسئولين ما يطلب منهم).
• المحسوبية : ويترتب على انتشار ظاهرة المحسوبية شغل الوظائف العامة بأشخاص غير مؤهلين مما يؤثر على انخفاض كفاءة الإدارة في تقديم الخدمات وزيادة الإنتاج .
• الوساطة : فيستعمل بعض الموظفين الوساطة شكلا من أشكال تبادل المصالح .
3.  الانحرافات المالية : ويقصد بها المخالفات المالية والإدارية التي تتصل بسير العمل المنوط بالموظف , وتتمثل هذه المخالفات فيما يلي :
• مخالفة القواعد والأحكام المالية المنصوص عليها داخل المنظمة .
• فرض المغارم : وتعني قيام الموظف بتسخير سلطة وظيفته للانتفاع من الأعمال الموكلة إليه في فرض الإتاوة على بعض الأشخاص أو استخدام القوة البشرية الحكومية من العمال والموظفين في الأمور الشخصية في غير الأعمال الرسمية المخصصة لهم .
• الإسراف في استخدام المال العام , ومن صوره : ( تبديد الأموال العامة في الإنفاق على الأبنية والأثاث – المبالغة في استخدام المقتنيات العامة في الأمور الشخصية – إقامة الحفلات والدعايات ببذخ على الدعاية والإعلان والنشر في الصحف والمجلات في مناسبات التهاني والتعازي والتأييد والتوديع .... ).
4.     الانحرافات الجنائية : ومن أكثرها ما يلي :
• الرشوة .
• اختلاس المال العام .
• التزوير .
و هناك العديد من الثغرات التي ينفذ من خلالها و يستغلها المفسدين و منها :
 نظم تحويل الأموال للخارج، التي استغلت من قبل البعض لشرعنة أموالهم التي سرقوها من المال العام و غسلها .
إضافة إلى وجود ثغرات في التشريعات وغياب لوثائق المناقصات النموذجية مما يسهل التلاعب في النفقات و الإيرادات العامة
كما يجري البعض عملية تجزئة للعديد من العقود الكبرى إلى عقود صغيرة تحاشياُ لتدقيق لجان المراقبة .
إضافة إلى سوء صياغة القوانين واللوائح المنظمة للعمل وذلك نتيجة لغموض مواد القوانين أو تضاربها في بعض الأحيان
و عدم تطبيق نظام المساءلة بشكل دقيق على جميع أجهزة الدولة، و  القصور الإعلامي في توعية الناس بأضرار وأشكال الفساد الإداري،و ضعف أجهزة الرقابة الداخلية في الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات والشركات،
محاربة الفساد الإداري و المالي المرتبط بالمال العام و الممتلكات العامة  :
من الحلول التي يمكن من خلالها محاربة أو الحد من ظاهرة الفساد الإداري بالمملكة العربية السعودية ، ما توصلت إليه نتائج الدراسة التي قام بها الباحث آل الشيخ (1427هـ) و التي أوصت بحلول واقعية يمكن تطبيقها :
• قيام أجهزة الرقابة المركزية وأجهزة الرقابة الداخلية في الوزارات والمصالح الحكومية بالدور المطلوب منها وذلك بالكشف عن مرتكبي أنماط الفساد الإداري وتطبيق الأنظمة واللوائح بحقهم بدقة وعدالة، وعدم التساهل معهم وتقديمهم للجهات المعنية بالتحقيق في هذه القضايا تمهيداً لمحاكمتهم ومن ثم معاقبتهم أذا ثبت الجرم بحقهم.
• رفع مستويات الأجور ووضع حد أدنى لها حتى تتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة ومتطلبات الحياة،حتى تغنيهم عن اللجوء إلى الأساليب المنحرفة ، وترفع معنوياتهم ، وتساعد على الاستقرار ، وتجعلهم في موقع اجتماعي مقبول.
• إحداث وظائف جديدة لتوفير مزيد من فرص العمل وحتى تستوعب تلك الوظائف من يستحق الترقية ، وأن يتم شغل تلك الوظائف عن طريق تطبيق مبدأ الجدارة.
• مساءلة أي مسئول مهما كان موقعه ومحاسبته.
• الحد من العمالة الوافدة ووضع شروط وضوابط دينية وأخلاقية وعلمية لاستقدامها .
• تفعيل الدورات التي تعقد للسجناء داخل السجون من خلال اختيار البرامج والدورات التي تتناسب مع تأهيل السجين العلمي وظروفه داخل السجن أو بعد خروجه، وحسن اختيار القائمين على تلك البرامج، ووضع معايير علمية دقيقة لتخطي هذه الدورات والبرامج وتنفيذ هذه المعايير بدقة وعدالة، ووضع حوافز مادية ومعنوية لمن يتخطى تلك البرامج والدورات.
• فتح خطوط ساخنة للإبلاغ عن حالات الفساد الإداري وتسهيل الإجراءات والبعد عن التعقيدات الإدارية التي تمنع المواطنين والوافدين من الإبلاغ عن حالات الفساد الإداري ووضع حوافز مادية ومعنوية لتشجيع المبلغين.
• إعادة النظر في طرائق وأدلة أثبات بعض أنماط الفساد الإداري على أن يكون هناك مراجعة دورية لها لتعديلها وفق متطلبات الزمان والمكان وما تقتضيه المصلحة العامة على ألا يتعارض هذا التغيير مع أحكام الشريعة الإسلامية.
• إعادة النظر في الأنظمة واللوائح ودراستها لرفع أسقف العقوبات في بعض أنماط الفساد الإداري وتحديد المسؤولية بشكل دقيق وسد الثغرات والمنافذ التي ينفذ من خلالها الفاسدون والمفسدون مع سرعة إصدار الأحكام القضائية وتلافي ضعف بعض الأحكام التي تصدر من المحاكم العامة أو ديوان المظالم وتلافي تفاوت الأحكام في الوقائع المتشابهة وعدم الأخذ بالحد الأدنى من العقوبات إلا في أضيق الحدود.
• إدراج مقرر على المستوى الجامعي يعنى بأخلاقيات الوظيفة وسوء عاقبة الفساد الإداري في الدنيا والآخرة على أن تدرس هذه المادة كمتطلب جامعي لكافة الطلاب وفي جميع جامعات المملكة العربية السعودية.
والانطلاقة الحقيقية في القضاء على الفساد المالي و الاداري المرتبط بالمال العام و الممتلكات العامة تبدأ من وضع آلية تصحيح المسار، فمعظم الأنظمة واللوائح والأجهزة الحكومية ارتكزت عند تأسيسها على قاعدتين رئيستين هما: تحقيق التنمية؛ وخدمة المواطن. وفي مرحلة التطبيق يحدث انحراف عن هذا المسار، ومع الوقت تتسع الفجوة بين الخطط الإستراتيجية التي وضعتها الدولة وبين ما يحدث على أرض الواقع. ويتطلب تصحيح المسار المزيد من الشفافية من خلال وسائل الإعلام التي يجب إعطاؤها المزيد من الثقة والحرية الكافية للقضاء على الفساد كظاهرة والمساهمة في تصحيح المسار (العجاجي , 1431هـ).
و الله الموفق ...


المراجع:
1-   أحمد زكي بدوي : معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية , ط 2 , مكتبة لبنان , بيروت , 1986م .
2-   أحمد بن عبد الرحمن الشميمري : ( 1424 هـ ) . " مظاهر الانحراف الوظيفي " , مجلة التدريب والتقنية , ع 57 ,1424هـ , ص ص 26 – 28
3-   سعد العنزي : وجهة نظر تحليلية في الفساد مجلة المعهد العالي للدراسات المالية والمحاسبية العدد السادس ,السنة الثانية , آب 2002 .
4-   عمر آل الشيخ : الفساد الإداري وأسبابه وسبل مواجهته من وجهة نظر المدانين بممارسته والمعنيين بمكافحته بالمملكة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية , الرياض ,  1428هـ .
5-   فادي بن عبدالله العجاجي : الآثار التراكمية للفساد المالي والإداري, جريدة الرياض , الأثنين 16 ذي الحجة 1431هـ - 22 نوفمبر 2010م - العدد 15491

مقال من إعداد : محمود طلبه محمد زغلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق