الأربعاء، 15 فبراير 2012

تعقيبا على مقال الأستاذ السعيد إبراهيم لماذا لا يقنعني البرادعي :

تعقيبا على مقال الأستاذ السعيد إبراهيم لماذا لا يقنعني البرادعي :

لماذا لم يقنعني البرادعي ؟ مقال الأستاذ السعيد إبراهيم السعيد
في إطار إثراء الحوار الذي طرحه الأستاذ الفاضل محمود طلبة زغلي في مقال على صفحة الجروب أود أن أستأذنه في إبداء بعض الملاحظات حول ما جاء فيه ، وأعتذر مقدما عن أن ملاحظاتي ستبدو وكأنني أشن حملة على الدكتور البرادعي وهو مخالف تماما لما أريده ، فمع الأخذ في الاعتبار أن الدكتور البرادعي قد انسحب بالفعل من المنافسة ولم يعد محلا للجدل فإن ما قصدته هو مشاركة الأستاذ محمود ومحاولة إضفاء الموضوعية على الحوار ، وأنا سعيد باتفاقه معي في عدم الاندفاع وراء أي شخص مهما كانت قيمته لأننا يجب أن نتحكم دائما في حركتنا بحيث نستطيع أن نتوقف عند اللزوم لإعادة تقييم الحركة من أجل التصحيح ، والموضوع كبير والنقاط يحتاج كل منها إلى بحث متعمق ودراسة متأنية لكن على أي حال ليسمح لي الأستاذ محمود أن أبدي بعض هذه الملاحظات سريعا :
أولا : فيما يتعلق بتوليه إدارة وكالة الطاقة النووية فبالرغم من أن ذلك يعتبر مؤشر كفاءة علمية إلا أنه من الناحية السياسية له مؤشرات أخرى ، فمجمل المنظمات الدوليه لا يسمح الغرب للمسلمين بتولي إدارتها إلا في إحدى حالتين إما أن تكون منظمة غير مؤثرة أو أن يكون الشخص نفسه تحت أيدهم ، وأمامنا أمثلة عملية منها : حين اتفق على أن يكون أمين عام الأمم المتحدة من أفريقيا واتفقت الدول الأفريقية أن يكون مصريا رفضت أمريكا وفرنسا ولم توافق إلا باختيار مسيحي هو بطرس غالي ، ومع ذلك حينما أبدى ملاحظة بسيطة حول مذبحة قانا أغضبت إسرائيل رفض الغرب التجديد له رغم كل فروض الولاء التي قدمت لهم من النظام السابق ، و في مسألة اختيار فاروق حسني لليونسكو رغم تأييد العديد من الدول لذلك ورغم أن فاروق حسني يعتبر شخصا مناسبا لاتجاهاتهم إلا أنهم مارسوا ضغوطا هائلة على بعض الدول لتغيير تصويتها في الإعادة وبالفعل نجحوا في إسقاطه ، فلماذا وافقوا على وجود البرادعي على رأس أهم وأخطر منظمة دولية من وجهة نظرهم في وقت فيه مشكلة مع دولة عربية وهو مصري ويفترض أنه مسلم إلا أن يكون ولاؤه مضمونا ، وأنا لا أتهمه بشئ لكنها مجرد ملاحظة فمن المهم الربط بين الأمور للتوصل إلى نتائج إيجابية
ثانيا : أن القول بأنه رجل إدارة من الطراز الأول رأي يحتاج كأي رأي إلى تأصيل ، مثل هذا التقرير يحتاج لأحد أمرين : إما أن يكون لديّ معرفة شخصية عملية تتيح لي ذلك أو أن يكون الرجل قد تسلم مقاليد الأمور وثبتت للجميع كفاءته ، ولا أظن أن أيا منهما أتيح لنا ، أما قيادة منظمة عالمية حتى مع افتراض نجاحه في إدارتها وبعيدا عن كل الشبهات فإنها في النهاية مؤسسة علمية ليست قياسا على إدارة دولة لديها العديد من المشاكل العضال سياسيا واقتصاديا ودوليا وإقليميا واجتماعيا ودينيا الخ .
ثالثا : أن القول بأنه ليس لديه خلفية دينية في حد ذاته من وجهة نظري يقصيه نهائيا - دون حاجة لسبب آخر معه – من حلبة السباق ، فما بالنا برجل ليس لديه خلفية دينية (كما قيل ) أمضى جل حياته في المجتمعات الغربية وتأثر بالطبع بعاداتهم وثقافتهم المتحررة .
رابعا : وجهت إليه اتهامات أهمها ضلوعه فيما حدث في العراق وهو أمر وإن كان يصعب على الذين وجهوا الاتهام إثباته إلا أن الشواهد كلها لم تعد في حاجة إلى دليل وقد حدث ما حدث ولن يجدي الحديث في ذلك لأننا جميعا لا نملك أدلة إثبات أو نفي ومثل هذه الأمور الاستخباراتيه تموت مع أصحابها غالبا إلا أن يشاء الله .
 الاتهام الثاني كان في تناوله المشروبات الروحية وتقديمها في فرح ابنته وتم تصوير ذلك والحقيقة أنه ليس وحده المتهم في هذا المجال فكل الذين تعاملوا أو يتعاملون مع الغرب يجارونهم في ذلك دون خشية من الله ولم أسمع بأحد رفض ذلك إلا الرئيس الإيراني السابق خاتمي عندما كان في زيارة لفرتسا ورفض حتى وضع الخمر على المائدة . والاتهام الثالث كان في ظهور ابنته تسبح وهي شبه عارية وزواجها من غير مسلم ، وكل الردود التي جاءت في هذا الشأن تدين أكثر مما تبرئ ، فعن العري قيل أنها كانت في حمام سباحة منزلي والصور تقول غير ذلك والزواج من غير مسلم قيل أنه أسلم وأن الزواج تم في السفارة دون إثبات ذلك وقال قائل أنه حتى لو أسلم فإن ذلك من أجل الزواج فقط مثلما يفعل بعض الأخوة المسيحيين يشهروا إسلامهم ليتم تطليقهم فقط ، وما كان أسهل عليه من أن يرفع دعوى قضائية على المدعين يقدم من خلالها المستندات النافية للاتهام ، أو يذهب إلى الأزهر لتبرئة نفسه من هذه الكبيرة الشرعية المفسدة للعقيدة برمتها لكنه لم يفعل وهذه علامة استفهام كبيرة .
خامسا : قيل أنه من أسرة عريقة لها تاريخ مشرف ، قد يكون ذلك ، ولكنني لم أعرف شيئا في التاريخ المصري ينسب لأسرته سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا اللهم إلا أن أحدهم كان نقيبا للمحامين كما أن مسألة الأسر هذه ليس لها اعتبار في مجالنا هذا ، بل إن الفساد الذي كان في مصر قبل 1952 كان على يد هذه الأسر والفساد لم يعد إلى مصر إلا بعد الاتفتاح في عهد الرئيس السادات وعودة هذه الأسر مرة أخرى لتنتقم لخلعها من السيطرة في 1952 ، فلنترك مسألة الأسر هذه جانبا ومع ذلك فأهلنا كانوا يقولون "يخلق من ظهر العالم فاسد" والعكس ، فقد تكون أسرة صالحة يخرج أحد أبنائها طالحا غير صالح ، والشيخ شعراوي رحمه الله حينما قيل له أن الرئيس صدام حسين يدعي الانتساب إلى رسول الله نسلا قال : كلٌّ مؤتمن على نسبه لكن عليه أن يثبت بسلوكه وليس بقوله صحة هذا الانتساب .
سادسا : أما عن مسألة اتهامه بالتآمر على مصر أقول لمن يدعي ذلك أنت لست جهة اتهام وهناك جهات تختص بمثل هذه الأمور لم يصدر عنها أي اتهام له من هذا النوع .
سابعا : في قضية تراجعه عن خوض سباق الرئاسة قيل أن الأمور بالنسبة للرئاسة ليست واضحة وهذا قول لا يستوعبه العقل البسيط فضلا عن أصحاب الخبرة ، فهل كانت الصورة واضحة يوم قرر الترشح ؟ إنها الآن فيما أعتقد أكثر وضوحا ، كان من الممكن - إذا كان الأمر كذلك - أن يعلق ترشيحه لأسباب ، لكن المبرر هذا غير مقنع بدليل أنه قبل تولي رئاسة الوزارة والتخلى عن الترشح للرئاسة مما يشير إلى أنه كان يسعى لأي منصب بأي شكل ، وحينما طلب للتشاور حول مجلس استشاري رفض ونزل إلى التحرير أثناء الاجتماع ليحرض على رفض النتائج مسبقا . وهذا يطرح لدي علامات استفهام جديدة مريبة عديدة ، وأنا أميل للرأي القائل بأن سبب انسحايه هو فشل مؤيديه في الحصول على نسبة مشجعة فقد حصلوا على 1.5 % من المقاعد فقط .
ثامنا : نسب إليه أنه مفجر الثورة الأخيرة ، والحقيقة أن من فجرها هم المثقفين والشباب من كل طوائف الشعب ، هو تمتع بالحماية الخارجية ليعبر عن موقفه ، والآخرون واجهوا الرصاص بصدورهم ورؤوسهم وأعينهم وعرضو أنفسهم للقتل والتشرد والسجن واعترضوا وانتقدوا بكل شجاعة وجميعنا نعرفهم بالإسم وتضحياتهم أيضا نعلمها جميعا وليس صحيحا أن النخبة المثقفة قد غابت عن الساحة فقد حاولوا جميعا بلا أي حماية .
هذه بعض الخواطر التي بدت لي وتشكلت من خلالها وجهة نظري الحالية قد أكون مخطئا أو متجنيا لكن ما أثق منه أنني أفكر بشفافية فليعذرني من يختلف معي .

الرد :
تعقيبا على مقال الأستاذ السعيد إبراهيم لماذا لا يقنعني البرادعي :
أستاذنا الفاضل و معلمنا الكبير الأستاذ السعيد إبراهيم السعيد أشكرك أولا على الاستجابة لدعوتي في إبداء رأيك الذي يسعدنا و يفيدنا كثيرا- فخبرتك الكبيرة تضيف إلى معلوماتنا و تدعمها و تصححها-  أن نطلع عليه حول الدكتور البرادعي و أحترم تماما كل ما أشرت إليه وقد عللت تفصيليا ما أشرت أنا إليه سريعا في مشاركتي التي كتبت على عجالة و التي دافعت فيها عن البرادعي كمواطن مصري- و ليس كمرشح للرئاسة -  أراد أن يسهم في خدمة بلده و الانتقال بها من حالة الركود و الخمول و التردي, فقد هالني حقا ما يتعرض له من هجوم من كل الجبهات و خاصة من النخب و الإعلام و الأخير ذاته كان قبل أشهر قليلة يمجده و قد رفع به عنان السماء و بمجرد أن أشار إلى أنه انتوى – اقتباسا  من الرئيس السابق – الترشح إلا و انقلب السحر على الساحر, هوجم بشراسة و لم يستطع أن يوقف هذا الهجوم وحده و لو حتى برفع الدعاوى ففي مصر مبارك لم يكن القضاء المتعاون لينصفه كما كان حال كثير من أبناء مصر الذين لم ينصفهم القضاء هذا عوضا عن طول مدة التقاضي التي يتوقع لها أن تطول في هذه الأحوال , و عن عمله بالوكالة فهو تدرج في عدة وظائف بها حتى وصل منصب الإدارة  وندرك جميعا حقيقة كون الأمين العام للأمم المتحدة مواليا للغرب و أمريكا و ألا يكون مسلما و لكن الوكالة ليست بأهمية الأمم المتحدة التي تتناول كافة العلاقات الدولية السياسية و الاقتصادية و الدينية و غيرها أما الوكالة فهي تختص بالأسلحة الذرية و أنشطتها و أن الغالبية الساحقة من الدول التي تمتلك أسلحة ذرية هي دول غير إسلامية اللهم إلا باكستان و قد وافق الغرب و أمريكا و سمحوا لها بامتلاك السلاح النووي لتحقيق التوازن النووي في شبه القارة الهندية ووجود البرادعي رئيسا في هذه الحال ليس ضروريا أن يكون مواليا لأمريكا أو خاضعا لها بدليل أنه رفض الضغوطات التي مارستها أمريكا و إسرائيل بشراسة عليه من أجل أن يورط العراق سابقا و إيران فيما بعد و وقف بشجاعة ضد تمرير و فرض المشروعية على غزو العراق و أعلن أمام العالم أجمع في الأمم المتحدة أنه لا يوجد في العراق أدلة على امتلاكها للسلاح النووي  في حين سمح بهذه المشروعية وباركها مبارك و قادة الدول العربية , كما أنه إذا كان رئيس الوكالة ينبغي أن يكون مواليا لأمريكا فما يضير أمريكا و الغرب من البداية أن يختاروا اختيار مديرا غير عربي و غير مسلم لماذا لم يكن مثلا إسرائيليا أو انجليزيا ؟ فلم تكن الدول العربية و الإسلامية لتحتج على ذلك لأنها بكل بساطة غير مؤثرة في عمل هذه الوكالة و أنشطتها إضافة إلى عم ثقلها و تأثيرها العالمي !!! كما أن عمل مثل هذه المنظمة العلمي في الأساس لم يكن ليكون علميا و ناجحا إذا كان اختيار المدير العام لها وفقا لأهواء أمريكا فهذا يتنافى مع مبادئ الادارة الناجحة التي تعتمد الكفاءة و القدرة هي المعيار الرئيس ,  و عن خلفيته الدينية فهو مثله مثل كثير من المصريين بل و غالبية المرشحين – باستثناء ذوي الخلفية الدينية – لا يفرقون عنه كثيرا و إقصائه  يستدعي إقصائهم جميعا و أنا أتمنى مثل غالبية المصريين أن يكون رئيس مصر ( أيا كانت نوعية نظام الحكم القادم ) يتمتع بخلفية دينية قوية و لديه مستوى عال من الالتزام . و قد ذكرت أن أسرته كان لها تاريخ قاصدا نقابة المحامين و العمل الوطني و لا أقصد الجوانب الاقطاعية و التي أوردتنا المهالك و أتفق معك ,و قد أحسنت الإشارة و التمثيل  بقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في هذا الشأن, و أتفق معك تماما في قضية الاتهام بالتآمر فهناك جهات ذات شأن ينبغي أن نستقي معلوماتنا منها إن أقرت بذلك و أعتب على من يقوم بكيل الاتهامات دون سند أو ينقل الكلام دون تمحيص و يقول كما يقول آخرون .
نعم أستاذنا أتفق معك أنه ليس مفجر الثورة و لم أقل بذلك مرة بل قلت أنه شارك و بقوة في دعم شباب الثوار و الثورة تعود لجهات عديدة كما نعلم  (6 إبريل منذ عام 2008 و حركة كفاية و الإخوان و غيرهم ) و أتفق معك أيضا و أدرك ذلك أنه استغل الموقف الدولي و تشجع في إعلان ترشحه ضد مبارك و هذا ليس عيبا- و ربما تتفق معي - فالموقف كان يستدعي ذلك خاصة في الوقت الذي كان مشروع التوريث بات وشيكا و بمباركة أفراد و جماعات لا نصدق أنها كانت تنحو هذا النحو فيما يشبه عقد صفقات من وراء الستار مع النظام , فكان قرار ترشحه من الشجاعة بأن أسهم مع شباب الثوار و سلبيات رجال النظام ذاته كأحمد عز و جمال و غيرهم و الانتخابات الأخيرة 2010 في إحباط  المشروع التوريثي برمته بل و القضاء على رأس النظام و بعض أركانه...
إن موضوع اختيار الرئيس حاليا من وجهة نظري ينبغي أن يكون بعد الدستور حيث سيكون سباق الرئاسة بلا جدوى لو تم اختيار نظام الحكم برلمانيا و  لو كان رئاسيا أو مختلطا فالأمر منطقيا يحتاج مدة أطول من المدة المعلنة 30 يونيه  حتى يتمكن كل مرشح من تقديم أوراق اعتماده و برامجه  للناخبين , و من هنا فالغموض هو سمة حقيقية لا يستطيع أحد أن يتقدم للترشح و يترشح على أي أساس ... و أعتقد أن البرادعي انسحب وفقا لهذا التصور ...
و أنا هنا لست مدافعا عن البرادعي إلا باعتباره مواطنا مصريا تعرض لهجمات من جبهات عديدة و بشراسة حتى أن البعض منا بات يهاجمه بمجرد ان يسمع اسمه و كنت أتمنى أن يكون النقد موضوعيا و مدروسا لا أن يكون تكرار لما يقوله الآخرون فرؤية الانسان خاصة إذا تعلقت بغيره ينبغي أن تتحرى الصدق و تبحث عنه و تثبته و تتجنب التجريح و التشكيك و ذلك انتهاجا لقول الله تعالى : "  يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " ( الحجرات 6)
أخي الفاضل و أستاذنا حقا فقد أبدعت في تحليلك و رؤيتك للدكتور البرادعي و قد التقينا كثيرا و اختلفنا قيلا و لكن ذلك لا يمنعني من إبداء إعجابي برؤيتك و التي نتعلم منها فأنت الأستاذ و نحن التلاميذ ... لك خالص التحية ...و آسف على الإطالة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق