الأربعاء، 22 فبراير 2012

بحث بعنوان : الإمام ابن القيم -رحمه الله- و إسهاماته في التراث النفسي

بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام ابن القيم -رحمه الله- و إسهاماته في التراث النفسي



نسبه وولادته :
هو الفقيه، المفتي، الإمام الربّاني شيخ الإسلام الثاني أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزُّرعي ثم الدِّمشقي الشهير ب"ابن قيم الجوزية" لا غيره خلافًا للكوثري الذي نبزه ب"ابن زفيل" .ولادته:ولد -رحمه الله- في السابع من شهر صفر الخير سنة 691هـ.(1)
أسرته ونشأته وطلبه للعلم:
نشأ ابن قيِّم الجوزية في جوِّ علمي في كنف والده الشيخ الصالح قيم الجوزية، وأخذ عنه الفرائض، وذكرت كتب التراجم بعض أفراد أسرته كابن أخيه أبي الفداء عماد الدين إسماعيل بن زين الدين عبد الرحمن الذي اقتنى أكثر مكتبة عمّه، وأبناؤه عبد الله وإبراهيم، وكلهم معروف بالعلم وطلبه.
وعُرف عن ابن قيم الجوزية -رحمه الله- الرغبة الصادقة الجامحة في طلب العلم، والجَلَد والتَّفاني في البحث منذ نعومة أظفاره؛ فقد سمع من الشِّهاب العابر المتوفى سنة (697هـ) فقال -رحمه الله- : "وسمّعت عليه عدّة أجزاء، ولم يتفق لي قراءة هذا العلم عليه؛ لصغر السِّنِّ ، واخترام المنية له -رحمه الله- " وبهذا يكون قد بدأ الطلب لسبع سنين مضت من عمره.(2)
رحلاته:قَدم ابن قيّم الجوزية -رحمه الله- القاهرة غير مرّة ، وناظر ، وذاكر.وقد أشار إلى ذلك المقريزي فقال : "وقدم القاهرة غير مرّة" .
قال: "وذاكرت مرة بعض رؤساء الطب بمصر" .
وقال: "وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة" .وزار بيت المقدس، وأعطى فيها دروسًا.
قال: "ومثله لي قلته في القدس" .
وكان -رحمه الله- كثير الحجِّ والمجاورة كما ذكر في بعض كتبه . قال ابن رجب: وحج مرات كثيرةً، وجاور بمكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدّة العبادة وكثرة الطواف أمرًا يُتعجب منه" .(1)
مكتبته:كان ابن قيّم الجوزية - رحمه الله- مُغرمًا بجمع الكتب، وهذا دليلُ الرَّغبة الصّادقة للعلم بحثًا وتصنيفًا، وقراءةً وإقراءً يظهر ذلك في غزارة المادة العلمية في مؤلفاته، والقدرة العجيبة على حشد الأدلة.وقد وصف تلاميذه -رحمهم الله- مكتبته فأجادوا:
قال ابن رجب: "وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه، واقتناء الكتب، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره" .وقال ابن كثير -رحمه الله-: "واقتنى من الكتب ما لم لا يتهيأ لغيره تحصيل عُشْرِه من كتب السلف والخلف" .
قلت: ومع هذا كله يقول بتواضع جم: "بحسب بضاعتنا المزجاة من الكتب" ورحم اللهُ شيخه شيخَ الإسلام ابن تيمية القائل: "فمن نوّر الله قلبه هداه ما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزدْهُ كثرةُ الكتب إلا حيرة وضلالةً" .
مشاهير شيوخه:
تلقى ابن قيم الجوزية - رحمه الله- العلم على كثير من المشايخ ، ومنهم:
 -
قيم الجوزية والده - رحمه الله-
- شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لازمه ، وتفقه به، وقرأ عليه كثيرًا من الكتب ، وبدأت ملازمته له سنة (712هـ) حتى توفي شيخ الإسلام سجينًا في قلعة دمشق (728هـ )
- المزي - رحمه الله-  
تلاميذه : - ابن رجب الحنبلي ، صرح بأنه شيخه، ثم قال: "ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة ، وسمّعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السّنة ، وأشياء من تصانيفه وغيرها" .
 - ابن كثير -رحمه الله- قال : "وكنت من أصحب الناس له وأحبّ الناس إليه" .
- الذهبي -رحمه الله- ترجم لابن القيم الجوزية في "المعجم المختص" بشيوخه .
 -
ابن عبد الهادي -رحمه الله- ؛ كما قال ابن رجب: "وكان الفضلاء يعظمونه ويتتلمذون له كابن عبد الهادي وغيره" .
- الفيروزآبادي صاحب "القاموس المحيط" ، كما قال الشوكاني: "ثم ارتحل إلى دمشق فدخلها سنة (755هـ) فسمع من التقي السبكي وجماعة زيادة عن مائة كابن القيم" .
ثناء العلماء عليه:
قال ابن كثير -رحمه الله- : "سمع الحديث ، واشتغل بالعلم ، وبرع في علوم متعددة ، ولا سيما علم التفسير والحديث الأصلين ، ولما عاد الشيخُ تقي الدين ابن تيمية من الدّيار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ، فأخذ عنه علمًا جمًّا ، مع ما سلف له من الاشتغال؛ فصار فريدًا في بابه في فنون كثيرة، مع كثرة الطَّلَب ليلًا ونهارًا، وكثرة الابتهال ، وكان حسنَ القراءة والخُلُق ، وكثيرَ التَّودُّد لا يحسدُ أحدًا ولا يؤذيه ، ولا يستغيبُه ولا يحقدُ على أحد ، وكنت أصحب الناس له ، وأحب الناس إليه ، ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثرَ عبادة منه، وكانت له طريقةٌ في الصلاة يطيلها جدًا ، ويمدُّ ركوعَه وسجودَه ويلومُه كثير من أصحابه في بعض الأحيان ، فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك -رحمه الله- ، وله من التّصانيف الكِبار والصِّغار شيءٌ كثير ، وكتَبَ بخطّه الحسنِ شيئًا كثيرًا ، واقتنى من الكتب ما لا يتهيأ لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف.
وبالجملة كان قليلَ النظير في مجموعه وأموره وأحواله ، والغالب عليه الخيرُ والأخلاقُ الصالحةُ ، سامحه الله ورحمه" .
قال ابن رجب -رحمه الله- : "وتفقه في المذهب ، وبرع وأفتى ، ولازم الشيخ تقي الدين وأخذ عنه ، وتفنَّن في علوم الإسلام ، وكان عارفًا بالتفسير لا يجارى فيه ، وبأصول الدين ، وإليه فيهما المنتهى ، والحديث معانيه وفقهه ، ودقائق الاستنباط منه ، لا يُلحق في ذلك ، وبالفقه وأصوله وبالعربية ، وله فيها اليَدُ الطولى ، وتعلم الكلام والنَّحو وغير ذلك ، وكان عالمًا بعلم السّلوك ، وكلام أهل التّصوف وإشاراتهم ودقائقهم ، له في كل فَنّ من هذه الفنون اليد الطولى.
وكان -رحمه الله- ذا عبادة وتَهَجد ، وطول صلاة إلى الغاية القصوى ، وَتَألُّه ولهج بالذّكر ، وشغف بالمحبة ، والإنابة والاستغفار ، والافتقار إلى الله والانكسار له ، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته ، لم أشاهد مثله في ذلك ، ولا رأيت أوسع منه علمًا ، ولا أعْرَف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله " .
وقال ابن ناصر الدين الدمشقي -رحمه الله- : "وكان ذا فنون في العلوم ، وخاصة التفسير والأصول في المنطوق والمفهوم" .
وقال السيوطي -رحمه الله- : "قد صَنَّفَ ، وناظر ، واجتهد ، وصار من الأئمة الكبار في التفسير والحديث ، والفروع ، والأصلين ، والعربية" .مؤلفاته :ضرب ابن قيم الجوزية بحظ وافر في علوم شتى و من أبرزها علم النفس يظهر هذا الأمر جَليًّا لمن استقصى كتبه التي كانت للمتقين إمامًا، وأفاد منها الموافق والمخالف.قال ابن حجر -رحمه الله- ، "ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته" . و من أشهرها :
- اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.
- أحكام أهل الذمة.
- إعلام الموقعين عن رب العالمين.
- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان.
- بدائع الفوائد.
- تحفة المودود في أحكام المولود.
- تهذيب مختصر سنن أبي داود.
 - الجواب الكافي، وهو المسمى "الداء والدواء".
-جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام.
- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
- روضة المحبين ونزهة المشتاقين.
- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.
- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة.(1)
محنة وثبات :
حُبس مع شيخه ابن تيمية في المرة الأخيرة في القلعة منفردًا عنه بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبًا بالدرة سنة (726هـ) ، ولم يفرج عنه إلا بعد موت شيخه سنة (728هـ).وحبس مرة لإنكاره شدّ الرحال إلى قبر الخليل .قال ابن رجب - رحمه الله- : "وقد امتحن وأوذي مرات" .
وفاته :توفي -رحمه الله- ليلة الخميس ثالث عشرين من رجب الفرد سنة (751هـ) ، ودفن بدمشق بمقبرة الباب الصغير -رحمه الله- وأسكنه الفردوس الأعلى ، وجمعنا وإياه في عليين مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، وحسن أولئك رفيقًا.(1)
إسهامات ابن القيم في التراث النفسي
أسهم العلماء المسلمون السابقون إسهامات كثيرة هامة في الدراسات النفسانية . لكنها لم تحظ من قبل باهتمام الباحثين ، ومؤرخي الدراسات النفسانية . فالمؤرخون الغربيون يبدأون ، عادة بالدراسات النفسانية عند المفكرين اليونانيين ، وبخاصة أفلاطون وأرسطو ، ثم ينتقلون بعد ذلك مباشرة إلى المفكرين الأوربيين في العصور الوسطى ، ثم في عصر النهضة الأوربية الحديثة ، ويغفلون إغفالاً تاماً ذكر إسهامات العلماء المسلمين في الدراسات النفسانية رغم أنه قد ترجم العديد منها إلى اللغة اللاتينية ، وأثرت تأثيراً كبيراً في آراء المفكرين الأوربيين أثناء العصور الوسطى وحتى بداية عصر النهضة الأوربية الحديثة . ولقد كان القرنان السابع والثامن الهجريان من أزهى عصور الطب النفسي في العالم الإسلامي . وفي هذين القرنين عاش شيخ الإسلام ابن تيمية _(661-728هـ ) وتلميذه العلامة ابن القيم (691-751هـ) –رحمهما الله- اللذان كان لهما موقف محمود ضد انحرافات بعض الفلاسفة العرب .
و ابن القيم يسمي الصحة النفسية .. بالحياة الطيبة..
-  و نرى أن مسميات ابن القيم للأحوال و الأشياء ..تنبض بالحياة و الجمال و قوة السبك ..  مسمياته أجمل في نظري من المسميات العلمية الحديثة شديدة الجمود !!
- و  نرى أن ابن القيم تفوق على علم النفس الحديث بكل جدارة .. و عنده قول فصل في كثير من الأمور التي هي محل جدل بين علماء النفس الحديث و ما زالوا إلى الآن لم يفصلوا فيها !
ذلك أنهم استمدوا مصدرهم في العلم من شيئين اثنين ، هما : العقل و الحواس(التجربة) ، بينما هو زاد بثالث وهو الوحي أو ما يسمى بالنقل . و قد ذكر ابن القيم هذه المصادر الثلاثة للعلم .. وهي ما يميزنا نحن المسلمين عن غيرنا .. و للأسف نتجاهل ذلك .

و هناك كتاب قيم عن إسهامات ابن القيم رحمه الله في التراث النفسي و الكتاب اسمه : (الطريق إلى الصحة النفسية عند ابن القيم الجوزية و علم النفس ) للباحث : عبد العزيز الأحمد  و هو بحث ماجستير .

الكتاب قائم على مبدأ مهم :
"و من هنا نجد أنه من غير المناسب أن يستعير أي مجتمع نظريات للشخصية تطورت في مجتمعات أخرى تختلف عنه في المتعقدات و العادات و القيم و لذا لا بد للباحث المسلم أن يتحدث عن التصور الإسلامي لشخصية الإنسان و طبيعتها و المفهوم الإسلامي للسلوك السوي و المنحرف "

و الذي يجب عليه أن يكون المسلم :
"إن الإسلام بشعائره و شريعته يجعل من الإنسان مخلوقاً كريماً و خليفة عادلاً يهتم بنفسه بعين، و يهتم بمن حوله بالعين الأخرى " ما أجمل تشبيهه هذا .. (1)



نظرة نقدية تجاه ابن القيم
ونظراً لأن علم النفس والعلاج النفسي حتى ذلك الحين يعدان من فروع الفلسفة ، فإن موقف الإمام ابن القيم – رحمه الله – من علم الفلسفة والفلاسفة قد أحدث بعض التشويش عند بعض الباحثين الذين ظنوا أن ابن القيم – رحمه اللهيرفض علم النفس والعلاج النفسي مع أنه لم يعرض لذلك الأمر بأي نقد ، رغم ازدهار تلك العلوم في تلك الفترة من الزمن ، وإنما كان نقده موجهاً لبعض الفلاسفة وأصحاب الشبه والانحرافات . بل إنه على النقيض من ذلك ، فابن القيم يعد من رواد الدراسات النفسانية في الإسلام وله في ذلك العديد من الآراء والنظريات البارزة و التي تم النقل منها من قبل علماء غربيون كبار في العالم المعاصر .

البحث من إعداد : محمود طلبه محمد زغلي
ميت طريف , دكرنس , دقهلية

المراجع

1-  البداية والنهاية" ، ابن كثير ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1419هـ.
2-  البدر الطالع" ، الشوكاني ، دار غريب ، القاهرة ، 1998م .
3-  بغية الوعاة" ، للسيوطي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1415هـ
4-  الدرر الكامنة" ، ابن حجر ، دار المعارف ، القاهرة ، 2001م .
5-  ابن قيم الجوزية عصره ومنهجه" ، عبد العظيم عبد السلام ، دار المعارف ،القاهرة ، 1996م ..
6-  الطريق إلى الصحة النفسية عند ابن القيم وعلم النفس : عبد العزيز بن عبد الله الأحمد ، دار الفضيلة ، الرياض، 1420 هـ.


(1) البداية والنهاية" ، ابن كثير ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1419هـ. (14 / 234).
(2) البدر الطالع" ، الشوكاني ، دار غريب ، القاهرة ، 1998م ، (2 / 143)
(1) بغية الوعاة" ، للسيوطي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1415هـ (1 / 62).
(1)  ابن قيم الجوزية عصره ومنهجه" ، عبد العظيم عبد السلام ، دار المعارف ،القاهرة ، 1996م ..

(1)  الدرر الكامنة" ، ابن حجر ، دار المعارف ، القاهرة ، 2001م ، (4(23-21/
(1) الطريق إلى الصحة النفسية عند ابن القيم وعلم النفس : عبد العزيز بن عبد الله الأحمد ، دار الفضيلة ، الرياض، 1420 هـص 65.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق